اليوم أول مرة اجي مارة بشارع القيادة العامة منذ يوم المجزرة.
يديني كانت بترجف و انا نازلة من كبري كوبر على الخرطوم. البلد هادئة هدوء مخيف بعد ما كانت في الشهرين الفاتوا فيها حياة اكتر من اي سنة مضت.
بعد ما نزلتا من الكبري ما لاقتني لجنة تفتيش العربات. افتقدتهم شديد. كان في واحد منهم ما عارفة اسمو منو..كان دائماً مبتسم و بشوش جداً، و كل ما اجي بيرحب بي كأني أهم زول، و بيساعدني أوصِّل المواد الطبية لمستشفى المعلم. ان شاء الله يكون كويس و ما حصلت ليه حاجة. ان شاء الله يكون بألف عافية، و ابتسامته ما زالت حية.
بعد مستشفى المعلم، و انا ماشة على النفق ما لاقتني لجنة تفتيش فيها ثوّار بيهتفوا لي بإبتسامة بتشع أمل:
“أرفعي يدك فووووق و التفتيش بالذووووق!”
قبل مركز التدريب المهني، ما لاقتني زحمة الثوّار الماشين و جايين من شارع الكلينك. ما لاقوني ستات الشاي المبتسمات و الفنانين القاعدين في الارض بيرسموا و بيملأوا السودان بالألوان. ان شاء الله يكونوا كلهم بخير.
بعد المركز، ما لاقاني مسرح المهندسين البيناقشوا فيه كيفية إصلاح و بناء السودان. نقاشاتهم الكانت بتملاني أمل أنو بلدنا مافي عليها خوف طالما فيها أذكياء قلوبهم كبيرة على بلدهم و مستعدين يعملوا كل شيء عشان يشوفوها مستقرة، مستقلة و ناجحة. يا رب يكونوا كلهم كويسين و ما اتكسرت عزيمتهم.
في شارع القيادة العامة ما لاقتني المتاريس.
وين متاريسنا؟
في آثار الخيم المحروقة، و الخيم مافي.
وين خيمنا؟
وين الثوّار البيهتفوا و هم شايلين علم السودان؟ وين الثوّار الواقفين قدام رئاسة أركان القوات البحرية في وقفة صامتة لأرواح الشهداء؟
وين المسرح الكبير؟ وين جماهير المسرح؟ وين أعضاء تجمع المهنيين البيتكلموا في المسرح و بيشرحوا لينا نتائج التفاوض و كيف انو قوتنا في اتحادنا و يأكدوا لينا اننا حننتصر. وينهم؟
ليه ميدان الاعتصام هادئ؟
ليه مافي أصوات زغاريد؟
ليه انا ما سامعة صوت؟
ليه ميدان الاعتصام فيهو كمية من الأفراد المسلحين؟
مش قلنا سلمية؟
مش لجان التفتيش منعت الأسلحة؟
الرسومات في الحيط فيها جزء ممسوح و جزء سليم. الجزء الممسوح كسرني. بكيت جداً. الرسومات دي جزء من تاريخنا الجديد البنكتب فيه. الفنانين و المصممين تعبوا فيها جداً.
لكن حتى لو مسحوا الرسومات، هل حيقدروا يمسحوا عزيمتنا؟
هل حيقدروا يمسحوا الوعي الكبير الحصل لكل مواطن سوداني داخل ميدان الاعتصام؟
هل حيقدروا يمسحوا احساس الحرية و الديموقراطية العرفنا معناه الحقيقي داخل ميدان الاعتصام؟
هل حيقدروا يمسحوا حبنا لبلدنا و احساس الانتماء القوي الكان بيزيد في كل لحظة داخل ميدان الاعتصام؟
وقفوا لينا هتافاتنا، لكن هل حيقدروا يمسحوها من روؤسنا؟
مسحوا رسوماتنا، لكن هل حيقدروا يمسحوا الصور و الفيديوهات الوثقت كل الرسومات و كل الأحداث الحصلت (سواء جيدة او سيئة) العمرنا كله ما حننساها؟
اتطمنت شوية لمن اتذكرت انو قبل كده مسحوا رسمة فنان في بداية الإعتصام و جاء رسمها تاني بكل إصرار و بنفس الحماس. الفنان كان فعلاً ضاحك، منتصر و عنيد، زي معظم السودانيين.
طيب اذاً ما مفروض أحزن.
البلد بلدنا و نحن أهلها و نحن القلوبنا عليها؛ اذاً مافي عليها خوف.
من بداية الثورة و في ال٣٠ سنة الماضية، الكيزان و قواتهم المسلحة ضربونا و ضربوا أهالينا رصاص و بمبان، قتلوهم، اغتصبوهم، نهبوهم، ذلّوهم و رغم كل الألم ما زلنا مصرين على هدفنا اكثر من اي زمانٍ مضى.
ساعة النصر أقرب من أي وقتٍ مضى.
نعم، المجلس العسكري فض الإعتصام بصورة بشعة و إرتكب مجزرة كبيرة جداً فقدنا فيها اكثر من ١٠٠ شهيد و شهيدة، و المجد لشهدائنا جميعاً في عليائهم.
نعم، ميدان الإعتصام هادئ جداً و ما فيه غير أفراد مسلحين و بواقي حرية و ذكريات.
لكن رغم الألم، رغم الفقد، رغم الحشا المحروق:
ثورتنا مستمرة، و ماشين في السكة نمد.
أملنا و عزيمتنا أقوى من اي وقت مضى، و حننتصر.
الأفراح لابد من ترجع، و كذلك الرسومات العظيمة، و الهتافات، و الزغاريد، و الحرية.
Beautiful, well said Deema.
Thank you so much 😊 May God help us achieve complete victory!
We shall prevail.
Yes we shall.